ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الله هو وحده القوي الحقيقي

22:00 - April 24, 2024
رمز الخبر: 3495428
بيروت ـ إکنا: إن الله تعالى وحده هو القوي الحقيقي، ولذلك نطلب القوة والقدرة منه، لأن القوة له وحده كما قال سبحانه: "... أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿165/ البقرة﴾.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "كُلُّ قَوِيٍّ غيْرَ اللّهِ ضَعيفٌ".

ما القُوَّةُ، وما الضَّعْفُ؟ القُوَّة: تُستَعمَلُ تارة في معنى القدرة، وتارة أخرى للتهيُّؤ الموجود في الشيء، نحو أن يُقال: النَّوى بالقوة نَخْلٌ، أي أن النَّوى لديها الاستعداد أن تصير نخلة إذا ما تزوَّدَت بالعناصر اللازمة لإنباتها من تراب وماء ومعادن وهواء. أو يُقال: هذا الطِّفل بالقوة عالم، أي لديه الاستعداد أن يتعلَّم ويصير عالِماً.

وتُستعمل كلمة القوة في البَدَن تارةً فيقال: فلان قوي بدنه، وفي القلب أخرى فيقال: يا فلانُ خُذْ هذا الأمر بقوة، أي بقوة قلبٍ وعزم ويقين، وتستعمل في الأعوان الذين يقوى بهم المرء فيقال: فلان قوي بجيشه وأعوانه. 

ويقابل القُوَّةَ الضَّعفُ، ويكون في البَدَن تارة نحو أن يُقال: فلان ضَعيف البَدَن، خائر القوى، وفي النفس تارةً أخرى نحو أن يُقال: ضَعيف الإرادة، والهِمَّة، والعزم، ويكون في الحال ثالثةً نحو أن يُقال: فلان ضعيف حاله. 

وتُستعمل القُوَّة في القدرة الإلهية قال تعالى: "إن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴿21/ المجادلة﴾ وقال تعالى: "إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴿58/ الذاريات﴾ أما كيف عرفنا عظمة قوة الله وطلاقة قدرته فلأننا نرى تجلياتهما في كل مفردة من مفردات الكون، إذ لا يُعقل أن يخلق عاجز كل هذا الخلق، ولا يُعقل أن يدَبِّره إذا كان ضعيفاً مفتقراً للقوة. 

وبهذا برهَنَ الإمام الصادق (ع) على قوة الله وعظيم قدرته إذ قال: "إِنَّما سُمِّيَ رَبُّنَا جَلَّ جلاَلُهُ قَوِيّاً لِلْخَلْقِ اَلْعَظِيمِ اَلْقَوِيِّ اَلَذِي خَلَقَ، مِثْل اَلْأَرْضِ وَما عَلَيْهَا، من جِبَالِهَا وَبِحَارِهَا وَرِمَالِهَا وَأَشْجَارِهَا، وَمَا عَلَيْهَا مِنْ اَلْخَلْقِ اَلْمُتَحَرِّكِ مِنَ اَلْإِنْسِ وَمِنَ اَلْحَيَوَانِ، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ اَلْمُثَقَّلِ بِالْمَاءِ اَلْكَثِيرِ، وَاَلشَّمْسِ وَاَلْقَمَرِ وَعِظَمِهِمَا وَعِظَمِ نُورِهِمَا، ... وَاَلنُّجُومِ الْجَارِيَة وَدَوَرَانِ الفَلَكِ وغِلْظِ السَّماءِ، وعِظَمِ الخَلقِ العَظيمِ، والسَّماء المُسَقَّفَةِ فَوْقَنا رَاكِدَةً في الهَواءِ إلى أن يقول: يُرِينا قُدْرَتَهُ، ويَدُلُّنا بِفِعْلِهِ على مَعْرِفَتِهِ".

ومِمّا لا شَكَّ فيه أن قوَّة الله ذاتية، فهو قَوِي بالذات، أي إن قُوَّته تعالى عين ذاته، فلا يمكن أن نتصَوَّر الله لحظة دون أن يكون متصفاً بالقوة والقدرة والعِزَّة، أما قُوَّة غيره تعالى عرَضية وليست ذاتية، والبرهان على ذلك: أن الإنسان بل كل الكائنات الحَيَّة النامية تبدأ حياتها ضعيفة ثم تقوى شيئاً فشيئاً، ثم يعرض عليها الضَّعفُ شيئاً فشيئاً إلى أن تعجز تماماً، وهذا ما نَبَّهنا الله إليه إذ قال: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴿54/ الرُّوم﴾ بل إن الضعف والعجز هو شأن كل مخلوق حتى الجماد فهذه النجوم والكواكب بل والمجرَّات تتشكل وتتوهَّج ثم ينكدر ضوؤها، حتى إن علماء الفلق يقولون: إن بعض النجوم التي يكتشفها الإنسان اليوم قد تكون (ماتت) قبل ملايين أو مليارات السنين لكن ضوئها وصل الآن إلينا.

ثُمَّ إن من البراهين الساطعة على ضَعفنا الذاتي أننا مهما بلغنا من القوة والاقتدار فإننا نعجز عن صَدِّ الضَّعفِ عَنا، نعجز عن صَدِّ الهرم والشيخوخة، ونعجز عن الحفاظ على قوة أبداننا وسمعنا وأبصارنا، ونعجز عن صدِّ المرض، ونعجَز عن صدِّ الفقر والحاجة، بل نعجز أمام أضعف خلق الله، أمام (فايروس) يقتلنا لا تنفع معه كل أدوية الأرض، وموت يهجم علينا ولو كنا في بروج مُشَيِّدة تحرسنا فيالق من الجنود المدجَّجين بأفتك الأسلحة، ونعجز عن إنجاز الكثير مِمّا يجب أن نُنجِزه، ونعجز عن تحقيق الكثير مما نؤَمِّل تحقّقه، إما لقلة الحيلة، أو لانعدام القدرة، أو لجريان الظروف عكس ما نشتهي أو سوى ذلك من الأسباب والموانع.

إذاً نحن ضعفاء حقيقة، والله وحده هو القوي الحقيقي، ولذلك نطلب القوة والقدرة منه، لأن القوة له وحده كما قال سبحانه: "... أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿165/ البقرة﴾ نعم نحن البشر أقوياء بالنسبة إلى بعضنا البعض، وبكلمة أخرى: القوة في عالم المخلوقات نسبية، فكل كائن قوي إذا ما قُورِنَ بمن دونه في القوة، وهو ضعيف إذا قورِنَ بمن فوقه في القدرة، وهكذا الأمر حتى ينتهي إلى الله تعالى، فالله هو القوي الحقيقي وقوته لا تعلوها قوة.

النتيجة التي نخلص إليها هي الإقرار أننا ضعفاء أمام قوة الله، وأن أعداءنا مهما بلغوا من قدرة وقوة هم أيضاً ضعفاء، وإذا شاء الله أن يكْبِتَهم ويهزمهم ففي لحظة واحدة تعصف بهم جنوده في السماوات والأرض، فليكن رِهاننا دائماً على قوة الله تعالى. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha