ایکنا

IQNA

الإنسان القرآني وصيام الروح

15:47 - April 07, 2024
رمز الخبر: 3495214
بيروت ـ إکنا: القرآن هو مائدة الحياة الروحية والمعرفية، ويمكن لكل صائم أن يجلس إلى هذه المائدة لتناول ما يناسبه في بعث الروح والعقل والهداية، فالقرآن ليس كتاباً للنخبة، وإنما هو كتاب أمة، فهو يعلّم الناس أن يكونوا قرآنيين مهتدين إلى آياته.

وقال الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان…".إن أول ما يحتاج إليه الصائم هو علمه بأن شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم؛ فكل معاني الحياة لازمت هذا النزول المبارك في ليلة القدر، ولكي يكون للصيام معناه فلا بد من ملازمة القرآن طلباً للهدى والبينات التي كان وسيبقى من شروط التوفر عليها التدبّر بالآيات.

فالصيام ليس مجرد فريضة إمتحانية كتبت على الناس ليكونوا مقلدين أو مقهورين للجوع والعطش، وإنما هو فريضة كتبت لتأخذ بالإنسان إلى حيث تكون له معاني الروح والحياة، فيتجلى في كدحه ويصفو في معارفه ليكون له معنى الاهتداء بالقرآن؛ فلا يكفي أن يصوم الجسد وتبقى الروح على هجرتها عن القرآن، فهو شهر الله وشهر القرآن، وكما جاء في خطبة الرسول(ص) في استقباله:"أنه شهر ضيافة الله تعالى.."

فهذا يوضح لأهل القرآن حقيقة ما يعنيه في جوهره من معاني في الوجود والحياة؛ فضلاً عن ما يحمله من دلالات الضيافة والقرب التي تنزوي معها كل آثار المادية ليفوز الصائم بضيافة الروح وهداية القلب إلى نور الله تعالى؛ وهذا كله يستوجب أن يكون الناس على علم ومعرفة بما يدعو إليه القرآن من مباديء وتعاليم وأحكام بحيث يعي أهل الإيمان أن الحضور في القرآن والملازمة المعرفية له، هو الذي يعطي للصوم معناه، وللصائم تجوهره في عالم الهداية الربانية.

أما أن يهجر القرآن ليكون الصيام غربةً عن الروح، فهذا مما ينبغي الحذر منه لأن القرآن يعلّم الصائم معنى أن تصوم الروح،وقد قال تعالى:"فلينظر الإنسان إلى طعامه.."،فإذا كنا نتخّير الأطعمة لإشباع لذات الجسد وبطنة الشهوات،فلماذا لا ينتبه الصائم إلى ضرورة أن يتخّير في معارفه وأفكاره لتنوير عقله وروحه بكل ما جعله القرآن سبباً للحياة،كما قال تعالى:"ولينذر من كان حياً…"
 
فالقرآن هو مائدة الحياة الروحية والمعرفية، ويمكن لكل صائم أن يجلس إلى هذه المائدة لتناول ما يناسبه في بعث الروح والعقل والهداية، فالقرآن ليس كتاباً للنخبة، وإنما هو كتاب أمة، فهو يعلّم الناس أن يكونوا قرآنيين مهتدين إلى آياته، وكذلك هو يعلّم الناس أن لا يكونوا ظالمين ومفسدين وأهل طغيان؛ إذ كيف يكون ذلك، وقد جعله الله تعالى هادياً إلى التي هي أقوم في معارف الحياة وعلومها.،وهكذا، فإن معنى ملازمة القرآن وهدايته في شهر رمضان أن يكون لصيام الروح فيه امتداد النور في كل الحياة،لا أن يتحول الصيام إلى مناسبة وذكرى نستحضرها مع كل وفادة لشهر رمضان، فأغلب الناس تسقط من حياتهم روحية المعنى لمجرد أن يدخلوا في عالم المفطرات، فلاتكون لديهم روادع وموانع الرمضانية في إمتداد المسير والحياة!؟
 
فالقرآن يهدي أهله لأن يكونوا مع الصادقين، وأن يطيعوا أولى الأمر في الدين والدنيا، فهذه حقائق دينية لابد أنها ملحوظة في فلسفة الصيام، وروحية الهداية والبينات،لقوله تعالى:"وبيّنات من الهدى والفرقان…"،وهنا نسأل هل يكون من البيّنات أن يجهل أهل الصوم أبواب معرفة الله تعالى؟ أو أن يكونوا مقلدين لمن لا يقرأ القرآن أو لا يهتدي به!؟

لقد كتب على الصائم أن يكون حياً في قلبه وروحه، وأن يكون ملازماً لكتاب ربه، وهذه هي خصوصية أن يكون شهر القرآن هو شهر الصوم،وذلك بهدف أن يكون للحياة كلها معنى القرآن.

إن من يهجر القرآن هو في الحقيقة يبخل على نفسه بالحياة، ومن أراد الاهتداء في معارف الحياة، فليس عليه سوى التدّبر في آيات الله تعالى، ليكون له علم الحياة والممات! أما من مات عن الحياة مع القرآن، فذلك هو ميّت الأحياء.

وقد قال تعالى:"إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله…"وهذا ما يفيدنا أن لا نكون في عداد الموتى سواء كنا في صيام أو غير صيام إلا إنه يبقى لمن استجاب لنداء الحياة صوم المعنى والروح بهداية القرآن.والسلام.

بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "فرح موسى"
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha